Kamis, 14 Mei 2009

التصوف بين الأفراط و التفريط - الإنصاف(و أقيموا الوزن بالقسط)

إنه ليس من الإنصاف أن نغمط الناس أشياءهم ، وغالبا ما ينبع ذلك عن فساد في الاعتقاد
والظن ، فمن ظن بالناس العصمة لابد أن يكون قاسيا في حسابهم ومؤخذاتهم ، فإذا ما أخطأ
أحدهم أخذناه بخطئه ، ورفضنا خيره وصوابه كما رفضنا شره ومعصيته ، وحكمنا عليه وعلى
أمثاله وعلى من انتسب اليه أو رضيه أو أثنى عليه ، أو جلس إليه بالرفض جملة وتفصيلا ،
وقد قال تعالى : (وأقيمو الوزن بالقسط) [الآية ٩ سورة الرحمن] .

إن دخول كثير من الدخائل والمفاهيم السيئة إلى بعض الأفكار السلفية لايجيز لنا أن نعمم الحكم
على الجميع ، ونرفض السلفية اسما ومضمونا ، فكثير من المنتسبين إلى السلف وقعوا في
هوة التشبيه والتجسيم ، وكثير من المعاصرين منهم من أنكر المعجزات ، وتلاعب بالآيات
القطعيات ، كنفي مدلول الآية القطعي في الطير الأبابيل والحجارة والرمي ، والوقوع في هوة
التكفير .. فوجود بعض الأخطاء لايبرر عدم قبول الصواب .

أمثلة على الأنصاف و عدم الأجحاف
حقا إن التعميم ذميم ، وإن ربنا سبحانه لايظلم مثقال ذرة ، ولا أعلم أحدًا من فقهاء الإسلام
حرم ذبيحة الجزار العاصي - إذا كانت شرعية - بسبب معصيته ، بل إن اليد التي يذبح بها
تحل الذبيحة ولو كانت عاصية بخاتم الذهب .
ولم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإراقة الماء الذي وقعت فيه ذبابة ، ولكن أمر بطرح
الذبابة ، ويبقى الماء صالحا للشرب .
ولم يأمر بكسر أو تحريق آنية الكفار وثيابهم ، ولكن أبيح الانتفاع بها بعد التطهير .
ولم يأمر باتلاف الإناء الذي ولغ فيه الكلب ، بل أمر بتطهيره بالتراب ثم يستعمل كالعادة .
والأمثلة على هذا في شريعتنا كثيرة ، وكلها تفيد أنه ينبغي على المسلم أن يدفع مايضر ،
ويبقي على ماينفع ، فيدفع من الضرر بمقداره لا أزيد ، ويبقى على النافع ما أمكن ، ولا يكون
كالدب الذي ذب ع ن رأس صاحبه الذبابة بصخرة فقتل صاحبه وطارت الذبابة ، قال تعالى :
(وأقيموا الوزن بالقسط) [الآية ٩ الرحمن] .
نعم إن الأمثلة في شريعة الإسلام على الإنصاف وعدم الإجحاف كثيرة ، وكثيرة جدا .

التوبة تتجزأ و المعصية تتجزأ
من المقرر عند علماء الأمة أن التوبة في الاسلام تتجزأ في الذات الواحدة كما أن المعصية
تتجزأ ، فكيف نأخذ أناسًا بجرائر آخرين ؟! .
وقد قرر العلماء أن المسلم المقيم على معصيتين أو أكثر إذا تاب عن واحدة منها بشروط التوبة
، تقبل توبته ، وأن الله عزوجل لايحاسب مانع الزكاة على ترك الصلاة إذا كان مصليا ، ولا
يعاقب شارب الخمر على فطر رمضان إذا كان يصومه ، كما لايحاسب السارق على الزنى إذا
كان لايزني ، وهكذا فالمعصية أيضا تتجزأ .

وقد يجتمع في الشخص الواحد ثواب وعقاب ، وحسنات وسيئات ، فيثاب على هذه ويعاقب
على تلك كما روى البخاري في صحيحه : (أن رجلا كان يسمى حمارا ، وكان يضحك النبي صلى الله عليه و سلم
وكان يشرب الخمر ، ويجلده النبي صلى الله عليه و سلم، فأتى به مرة ، فقال رجل : لعنه الله ما أكثر مايؤتى به
الى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: لاتلعنه فإنه يحب الله ورسوله) .
فهذا يبين أن المذنب بالشرب وغيره قد يكون محبا لله ورسوله ، وحب الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم أوثق عرى الايمان(1) .

خطأ التعميم
فكيف بمن يحكم على من لايحصى من الخلائق من علماء وعباد وزهاد وعارفين ومربين
ودعاة ومرشدين بسبب فساد بعض من ينتسب إليهم ، يحكم على الكل بالفساد ، ونعوذ بالله من
ذلك الحكم ، ما أظلمه ، وما أبعد صاحبه من الإنص اف ومن فهم الإسلام ، ومن حقيقة الدين ،
وقد قال تعالى : (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الآية ١٥ الاسراء] .
إن طوائف الحلولية ، والاتحادية ، والباطنية ، والإباحية ، والذين أسقطوا التكاليف ، والذين
قالوا بمخالفة الحقيقة للشريعة والباطن للظاهر ، والذين قالوا بعصمة الولي وتقديمه على النبي
، والذين قالوا بفناء النار ، ومساواة المسلمين في نهاية الأمر بالكفار ، وما إلى ذلك من
الأقوال والعقائد والفرق والجماعات التي تناقض كلمة التوحيد ، وتمرق من الدين بمخالفة
نصوصه المحكمة في دلالتها ، والقطعية في ثبوتها ، لايقبلها قلب مس لم ، ولا تركن إليها إلا
نفس ظالمة مثلها لتمسها النار .
إن المسلم إنما اعتنق الاسلام لتوحيد الله عز وجل ، واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلا
ينبغي له أن يخرج منه من أخبث أبواب الكفر والزندقة وأقبحها عند الله عز وجل .

وما جواب المسلم لهؤلاء إلا كجواب أولئك القوم من الصحابة الذين أمروا من رسول الله
صلى الله عليه و سلم أن يطيعوا أميرهم ، فأمرهم أن يلقوا أنفسهم في النار، فقالوا : "إنما فررنا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من النار" ؟ فكيف نلقي أنفسنا فيها ، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"لو دخلوها ماخرجو ا منها ، إنما الطاعة
في المعروف" .(2)

الطوائف المدسوسة في التصوف
نعم إن تلك الطوائف التي اندست بين القوم ، أو دست من أقوالها المشبوهة في كتبهم
ومقولاتهم وأشعارهم حتى شوشت وشوهت على الخلص منهم ، لاينبغي أن تحول بيننا وبين
إنصاف القوم ، وتحرير أقوالهم ح تى نعرف سقيمها من صحيحها ، ونفيد منها ، ونعرف
معروفها وننكر منكرها ، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : (وقد انتسبت إليهم طوائف من أهل
البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم . أه) . (3)

إن أكثر نقاد التصوف، إنما عرفوا الصوفية من خلال الز بد الطافي على السطح، وغاب عنهم
البحث في الأعماق، والتعرف على ماينفع الناس ، وماذلك إلا بسب تعصب الكثير منهم، وضيق
أفقهم، وسطحية نظرتهم، وغاب عنهم أن "في كل ميدان من الميادين أدعياء، نجدهم في الميدان
الديني، وفي الميدان السياسي، وفي الميدان العلمي، ونجدهم ك ذلك في ميدان التصوف " كما يقول
الدكتور عبدالحليم محمود في تحقيقه لكتاب "المنقذ من الضلال" للغزالي (4).
"وليس من الإنصاف أن تحمل على التصوف أوزار الأدعياء واللصقاء ، الذين يندسون في
صفوفه نفاقا واحتيالا ، أو جهلا وفضولا ، فإنه ما من نحلة في القديم والحديث س لمت من
أوزار اللصقاء الذين ينتمون اليها من غير أهلها .." كما يقول عباس محمود العقاد في كتابه
"التفكير فريضة إسلامية" .

تجريد الحق عن قائله:
لقد علمنا الإسلام نظرية تجريد الحق ع ن قائله ، والخير عن فاعله ، فالحق والمعروف والخير
، حق وخير ومعروف بصرف النظر عن صاحبه ، والمنكر منكر كذلك .
فهذا حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يرثي مطعم بن عدي بعد وفاته ، وقد مات على الكفر
، بقصيدة يشكر له فيها معروفه إذ أجار رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل مكة يوم
منعته قريش عند عودته من الطائف ، وكان فيما قال :
أجرت رسول الله فيهم فأصبحوا عبادك ما لبى محل وأحرما
وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم على مثله فيهم أعز وأكرما

وقال النبي صلى الله عليه و سلم يوم بدر : (لو كان المطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النت نى لوهبتهم له)
يريد : لقبل شفاعته في أسرى بدر جميعهم ، وذلك جزاء معروفه - وهو على الكفر - !!! .
وأثنى رسول الله صلى الله عليه و سلم على أخلاق أهل الجاهلية ، وهم أهل جاهلية وأوثان فقال : (ياعلي أية أخلاق للعرب كانت في الجاهلية ؟ ما أشرفها ! بها يتحاجزون في الحياة الدنيا) .
ومع ذمه صلى الله عليه و سلم للشعر أثنى على نصف بيت من الشعر مالم يثن على كلام أحد من الناس فقال :(أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد ) . وفي رواية : أصدق بيت قاله شاعر، وفي رواية :(أصدق كلمة قالها شاعر) ، وفي رواية : (أصدق بيت قالته الشعراء) :"ألا كل شيء ما خلا الله باطل" وما ذلك إلا لموافقة كلمته للحق ، والواقع .
وأثنى على شعر أمية بن أبي الصلت مع كفره ، فقال صلى الله عليه وسلم : (آمن شعر أمية
بن أبي الصلت وكفر قلبه ) فلم يمنعه الكفر من إبداء إعجابه بالشعر ، للايمان والتوحيد الذي
كان يفيض به شعره ، وفي صحيح مسلم : (كاد ابن أبي الصلت أن يسلم)
وأخيرا : هل فيما سقناه مقنع للمجحف أن ينصف ويتبع سبيل المنصفين ؟ ! .
=================================
1- أنظر : فتاوي ابن تيمية "ج 10 - ص8و 16.
2-سيرة ابن كثير "ج 3 - ص 4
3-مجموعة الفتاوي "ج 11-ص18".
4- ص 267.

Balas ke MohammedLaporkan

0 komentar:

Posting Komentar